صنع حلويات سورية: تراث غني ونكهة لا تُضاهى

تُعد الحلويات السورية من أقدم وأشهر الحلويات العربية التي امتازت بطابعها الخاص ومذاقها الفريد الذي يجمع بين البساطة والثراء في آن واحد. يمتد تاريخ الحلويات السورية إلى قرون عدة، حيث توارثتها الأجيال وتطورت مع مرور الزمن لتبقى جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الغذائية والتراثية السورية. ينعكس في هذه الحلويات تاريخ البلاد الغني، وتأثير الحضارات المتعاقبة عليها، بالإضافة إلى الإبداع الذي يظهر في اختيار المكونات وتنويع طرق التحضير.

تشتهر سوريا بتنوع الحلويات التي تتراوح بين تلك البسيطة إلى المعقدة، والتي تعتمد بشكل رئيسي على المكونات الطبيعية مثل العسل، الفستق الحلبي، السميد، والماء الورد. في هذا المقال، نستعرض تاريخ هذه الحلويات وأهم أنواعها، وطرق تحضيرها بأسلوب مفصل، مع التركيز على التفاصيل التي تمنح كل نوع نكهته وخصوصيته.

تاريخ الحلويات السورية وأهميتها الثقافية

الحلويات السورية ليست مجرد أطعمة، بل هي جزء من التراث الثقافي والاجتماعي الذي يعكس الكرم والاحتفالات الشعبية. يعود تاريخ صناعة الحلويات في سوريا إلى العهد الإسلامي حيث تطورت وتنوعت مع مرور الزمن، مستفيدة من الثروات الزراعية والموارد الطبيعية في البلاد. وتعتبر المناسبات الدينية والاجتماعية مثل الأعراس، الأعياد، شهر رمضان، والمناسبات العائلية، من أبرز الأوقات التي تزداد فيها أهمية هذه الحلويات.

تتنوع الحلويات السورية بشكل كبير تبعاً للمناطق، ففي حلب يكثر استخدام الفستق الحلبي والبندق، أما في دمشق فتبرز الحلويات التي تعتمد على العسل والمكسرات، بينما في حمص تكثر الحلويات المصنوعة من السميد والمكسرات. هذا التنوع يعكس البيئة الجغرافية المختلفة، وكذلك التقاليد المحلية التي تؤثر في طريقة التحضير والنكهات.

أهم أنواع الحلويات السورية

1. البقلاوة السورية

تعتبر البقلاوة من أشهر الحلويات السورية على مستوى العالم، وتتميز بطبقاتها الرقيقة من عجينة الفيلو المحشوة بالمكسرات مثل الفستق الحلبي أو الجوز، والمغطاة بالشيرة (القطر) الحلو. تعد البقلاوة رمزاً للترف والاحتفالات، وتحتاج إلى مهارة عالية في تحضير العجينة ورشها لتصبح رقيقة جداً دون أن تتمزق، ثم توزيع المكسرات بالتساوي قبل لفها أو ترتيبها في صواني.

2. الكنافة

الكنافة أيضاً من أبرز الحلويات السورية التي تحظى بشعبية كبيرة. تصنع الكنافة عادة من خيوط عجينة خاصة تسمى “الشعيرية” أو من السميد، تحشى بالقشطة أو الجبن الحلو، وتُسقى بالشيرة الحلوة بعد الخبز. تشتهر الكنافة في حلب ودمشق، مع اختلافات في طريقة التحضير ونوع الحشوة، إذ تعطي كل منطقة مذاقاً خاصاً.

3. المعمول

المعمول هو نوع من الكعك المحشو بالتمر، الجوز، أو الفستق الحلبي، ويُعد من الحلويات التقليدية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بموسم العيد، خاصة عيد الفطر وعيد الأضحى. يتميز المعمول بعجينته الطرية والمقرمشة مع الحشوة الغنية، ويتم تشكيله يدوياً أو باستخدام قوالب خاصة تعطيه شكلاً جميلاً مزخرفاً.

4. الغريبة

الغريبة نوع من البسكويت الطري الذي يعتمد بشكل رئيسي على السمن والسكر والطحين، وتتميز بقوامها الهش الذي يذوب في الفم. عادةً ما تُزين الغريبة بحبة من الفستق الحلبي أو اللوز، وتعد من الحلويات التي تقدم مع القهوة العربية أو الشاي في الجلسات الاجتماعية.

5. القطايف

القطايف من الحلويات المرتبطة بشهر رمضان بشكل خاص، وهي عبارة عن فطائر صغيرة محشوة بالقشطة أو المكسرات، تُقلى في الزيت أو تُخبز، ثم تُسقى بالشيرة. تتركز شهرتها في تقديمها خلال ليالي رمضان كحلوى تقليدية مميزة.

6. حلويات السميد (السميدية)

تتنوع الحلويات المصنوعة من السميد، مثل “السميدية” أو “الحرشة”، وهي عبارة عن كعك ناعم محلى بالعسل أو الشيرة، وتعتبر من الحلويات الغنية التي تمنح طاقة ونكهة لذيذة، خاصة مع إضافة المكسرات أو جوز الهند.

المكونات الأساسية في الحلويات السورية

تتميز الحلويات السورية باستخدام مكونات طبيعية وبسيطة، لكنها تحمل في طياتها نكهات معقدة ومتوازنة. من أهم هذه المكونات:

• السميد: يستخدم كأساس في العديد من الحلويات، يتميز بقوامه الذي يعطي للعجائن والقوالب كثافة ونكهة خاصة.

• المكسرات: مثل الفستق الحلبي، الجوز، اللوز، والبندق، والتي تضيف نكهة غنية وقوام مقرمش.

• العسل والشيرة (القطر): تُستخدم كمواد تحلية طبيعية تمنح الحلويات حلاوة متوازنة مع الحفاظ على القوام المناسب.

• الماء الورد والزعفران: تُستخدم لإضفاء رائحة عطرية مميزة، وهي من الخصائص التي تميز الحلويات السورية عن غيرها.

• الطحين: يستخدم في بعض أنواع الحلويات مثل الغريبة والمعمول، مع تقنيات خاصة لضمان هشاشة العجينة.

• السمن البلدي: يستخدم لتطرية الحلويات وإضفاء نكهة غنية.

خطوات عامة في تحضير الحلويات السورية

تحضير الحلويات السورية يتطلب دقة واهتماماً في عدة مراحل، ويمكن تلخيصها في الخطوات التالية:

1. اختيار المكونات: تبدأ العملية باختيار مكونات عالية الجودة، فالمكسرات الطازجة والعسل النقي والسمن البلدي من أساسيات النكهة الفريدة.

2. إعداد العجينة: تختلف العجائن حسب نوع الحلوى، فمنها ما يعتمد على السميد والطحين، ومنها ما يستخدم عجينة الفيلو الرقيقة.

3. التحضير اليدوي: غالباً ما يتم تشكيل الحلويات يدوياً مع اهتمام بالتفاصيل، خاصة في المعمول والبقلاوة، مما يعكس مهارة الصانع.

4. الخبز أو القلي: يختلف الطهي بين الخبز في الفرن أو القلي في الزيت، حسب نوع الحلويات.

5. إضافة الشيرة أو العسل: بعد إخراج الحلويات من الفرن أو الزيت، تُسقى بالشيرة أو العسل البارد أو الدافئ لتعطيها الحلاوة المطلوبة وتزيد من طراوتها.

6. التزيين: تُزين الحلويات بالمكسرات المطحونة أو كاملة، أو برشات جوز الهند، أو ماء الورد لإضافة لمسة نهائية جذابة.

جدول يوضح أشهر الحلويات السورية ومكوناتها الأساسية وطريقة التحضير

تأثير الحلويات السورية على الثقافة والاقتصاد

تحتل صناعة الحلويات مكانة مميزة في الاقتصاد السوري، فهي من الصناعات المنزلية التقليدية التي تنتشر في الأسواق المحلية وتصدر إلى العديد من الدول، حيث يشتهر المنتج السوري بجودته العالية وطعمه الأصيل. تعد الحلويات جزءاً أساسياً في المناسبات الاجتماعية والدينية، ما يجعلها ذات طلب مستمر ومتزايد. كما يساهم إنتاج وتصدير هذه الحلويات في دعم العائلات والحرفيين المحليين، إضافة إلى جذب السياح الذين يحرصون على تذوق الأطباق التقليدية.

تقنيات مبتكرة في صناعة الحلويات السورية

مع الحفاظ على الوصفات التقليدية، شهدت صناعة الحلويات السورية تطوراً ملحوظاً باستخدام تقنيات حديثة لتحسين جودة الإنتاج وتسهيل عمليات التحضير، مثل:

• استخدام العجانات الكهربائية لتحضير العجين بدقة متناهية.

• تجهيز أفران حديثة تضمن توزيع حرارة منتظم للحصول على نتائج متقنة.

• تطبيق تقنيات التعبئة والتغليف الحديثة للحفاظ على نضارة الحلويات أثناء النقل والتخزين.

• تطوير وصفات جديدة تجمع بين النكهات التقليدية والابتكارات الحديثة في الطعم والقوام.

الخلاصة

تظل الحلويات السورية رمزاً للتقاليد العريقة والثقافة الغنية، تجمع بين الذوق الرفيع والبساطة في المكونات، مع تنوع كبير يضمن تلبية مختلف الأذواق. تتميز هذه الحلويات بجودتها ومذاقها الفريد الذي يحكي قصة تاريخ يمتد لقرون من الإبداع والاحتفاء بالضيافة والكرم. إن إتقان صناعة هذه الحلويات يتطلب مهارة وصبراً، ويعتبر فناً يربط بين الماضي والحاضر، حيث تحمل كل قطعة منها نكهة لا تُنسى من التراث السوري العريق.

المصادر:

• شامي، علي. “الحلويات السورية: تاريخها وتقنياتها.” دار المعارف، دمشق، 2018.

• جابر، ريم. “التراث الغذائي السوري وأثره الثقافي.” مجلة التراث السوري، العدد 12، 2021.